مقالات الامير حسن
الحسن بن طلال

تُثير دوامة العنف المتفاقمة في كل مكان؛ من قتل الأبرياء بلا هدف، والعداء الممنهج تجاه أقلية الروهينغا، وتدمير الأماكن المقدسة، واختطاف اثنين من رجال الدين السؤال التالي: ما الذي بقي مقدس لدينا لنجله ونوقره؟

كما أن اختطاف صديقيَّ العزيزين، مطران السريان الارثوذكس يوحنا إبراهيم ومطران الروم الأرثوذكس بول اليازجي، قبل أيام عدة، لدليل آخر على على انحدار خطير نحو تدمير للذات في أنحاء البلاد والمجتمعات التي طالما عاش فيها أتباع الديانات الإبراهيمية معاً.

فالمأساة التي تتكشف في سوريا تُشكل تهديداً، ليس لحياة البشر وأسباب عيشهم فحسب، بل للبشرية نفسها أيضاً. وتقبع الرحمة والكرامة الإنسانية محطمة في أماكن بعيدة، مثل الأضرحة في مالي وتونس وأماكن مقدسة أخرى كثيرة مدفونة تحت ركام تراثنا المشترك. ولن نسمع بعد الآن صوت الأذان من المسجد العمري في درعا، أو من المئذنة التي تعود إلى القرن الثاني عشر في المسجد الأموي في حلب، ولا أصوات تجار الأسواق المحيطة بها والموسيقيين المعروفين، ناهيك عن الثرثرة البهيجة للأطفال الأبرياء.

فالحديث عن الانتقال تحول من احتجاج سلمي إلى عنف تصاعد إلى حد الاقتتال بين الأخوة والتدمير الشامل، واستبدلت الشعارات المبكرة التي كانت تنادي بوحدة سوريا بانحدار نحو حقد وحشي وتجاوزات بغيضة من كل الأطراف، وتمخضت عن عالم غريب بعيد عن صورة سوريا التعددية والعالمية وحسن الضيافة، التي تفاخر بها السوريون كافة، والتي عكست أيضاً امتداد وعمق ثقافتهم القديمة.

وتُعتبر أرض سوريا بحق جزءا من الهلال الخصيب. فقد قدمت للإنسانية بعض أعظم انجازاتها في العلوم والقانون والأدب والموسيقى والفنون. ومما لا شك فيه أن تركيز السياسة لما فيه مصلحة الشعب وتمكينه هو بمثابة سيادة للمواطنين السوريين كافة بثرائهم وتنوعهم.

وأنا كمسلم أؤمن بحق الحرية وحق الكرامة. ويمكن تحقيق هذا فقط من خلال الارتقاء بكرامة الإنسان، وبعث قيم السماحة والمعاملة، التي دعا لها الدين، والحفاظ على سلامة الأماكن المقدسة، الروحية والجمالية على حد سواء، ومن خلال استعادة الطبيعة التعددية لمنطقتنا.

فما أكثر ما نشهد هذه الأيام من تناقض في المصطلحات في تعبير "الحرب الجيدة"، التي لا نقرها تحت أي مسم، إضافة إلى مناداتنا بضرورة عدم إقحام اسم خالقنا أبداً في هذا السياق. ولا يكفي تحميل الماضي مسؤولية مشكلاتنا الراهنة، القريبة أو البعيدة على حد سواء، بل لا يتوجب علينا المطالبة بحقوقنا فقط، وإنما يجب علينا تحمل مسؤولياتنا من خلال رعاية الضعفاء والمهمشين، ومن خلال العمل على استعادة الإنسانية والقيم الإنسانية المشتركة في عالمنا.

وبغض النظر عن نتيجة الصراع السوري فلا يمكننا تجاهل حقيقة أن شعوراً غامراً باقصاء وعزل الآخر، في سوريا وغيرها، يكمن في جوهر الصراع. وطالما استمر السياسيون في النظر إلى أجندتهم من خلال الجوانب المادية حصرياً المصممة للحفاظ على النفوذ الشخصي فلا يمكن أن يكون هناك حوار حقيقي حول قيمنا المشتركة ولا سلام لأي شخص على هذا الكوكب.

لقد حان الوقت لوقف سيل الفظائع المتواصلة التي تتسبب في ارتدادات في أرجاء منطقتنا وخارجها، ووقف التدمير الشامل للكرامة البشرية والقيم الإنسانية الناجم عن ضغط العيش في ظل التهديد المستمر. ويجب علينا القبول من حيث المبدأ أن فترة ما بعد الصراع ستتطلب إعادة إعمار، ليس للبنية التحتية فحسب، بل للقلوب والعقول أيضاً، وخاصة فيما يتعلق بالشباب والمجتمعات السورية المتنوعة المصدومة.

يقول رفيق شامي، في "الجانب المظلم للحب"، الصادر عام 2010: "أنا أمقت الأبطال الذين يصيبون الآخرين بالشلل من خلال الحديث نيابة عنهم، والقول بأنهم جميعا يقبلون بالموت بدلاً من التعاون معهم لجعل الموت مستحيلا".

ومن هنا أدعو إلى إخلاء سبيل المطرانين وتوفير ممر آمن لهما حتى يتمكنا من مواصلة عملهما الإنساني الذي له حاجة ماسة في هذا الوقت، وإنهاء العنف سواء أحدث ذلك باسم العلمانية، أو الدين، أو أيديولوجية ما، أو غيرها.

وأطلب منكم اليوم الانضمام إلينا للعمل من أجل إطلاق سراح المطرانين، وللحوار كوسيلة لحل الاختلاف، ووقف العنف بين الأخوة السوريين.