عمّان- دعا سمو الأمير الحسن بن طلال، رئيس منتدى الفكر العربي وراعيه، إلى وجوب الخروج باستراتيجية اتصال عالمية تحليلية تقوم على تداخل النظم لفهم البيئة الطبيعية والإنسانية، معتبراً ذلك أولوية للعرب اليوم، ومحذراً مما تواجهه الهوية العربية الإسلامية من مخاط

عمّان- دعا سمو الأمير الحسن بن طلال، رئيس منتدى الفكر العربي وراعيه، إلى وجوب الخروج باستراتيجية اتصال عالمية تحليلية تقوم على تداخل النظم لفهم البيئة الطبيعية والإنسانية، معتبراً ذلك أولوية للعرب اليوم، ومحذراً مما تواجهه الهوية العربية الإسلامية من مخاطر وتهديدات. وأشار إلى غياب الخطاب البنّاء فيما بين البشر والكون، وضرورة الاتفاق على استراتيجية وتقاسم الأدوار. وقال سموّه: كيف نستطيع أن نستنهض الهمم دون أن نعمل على بناء أسلوبية جديدة تعتمد التحليل، رغم أن الطريق إلى ذلك محفوفة بالمحاذير، لكن لا بد من استثمار  الخيرات في إدارة الفضاء الإنساني، ومن ذلك الفضاء الديني بشكلٍ خاص.
جاء حديث سمو الأمير الحسن خلال مشاركته في اللقاء الحواري، الذي عقد في منتدى الفكر العربي صباح الأحد 2/11/2014، حول مضمون كتاب "أنا سلفي: بحث في الهوية الواقعية والمتخيلة لدى السلفيين" لمؤلفه د. محمد أبو رمان، بمشاركة الباحث حسن أبو هنية، والصادر مؤخراً عن مؤسسة فردريش إيبرت. وشارك في هذا اللقاء باحثون وأكاديميون  وإعلاميون من الأردن وعدد من الدول العربية.
وفي مداخلته، أوضح سموه أن النصوص بين المدارس الفكرية تفتقد إلى التحاور فيما بينها. وتساءل: أين التراحم بيننا إذا لم نستطع أن نتحدث في الحدّ الأدنى؟ وأن الحاكمية الرشيدة ولقاء القيم هما ما يكفلان الحوار المطلوب بين المذاهب والفئات. فالمذهب الشيعي ليس محصوراً في قومية واحدة، وكذلك السنّي، وإذا كنّا نتحدث عن البدايات، فلماذا يظلّ هذا التراث السلفي محصوراً في اتجاه معين؟ وأين تعظيم القواسم المشتركة واحترام الفروق؟
ودعا سموه إلى انفتاح العالم الإسلامي على بعضه بعضاً، والاستفادة  من الانفتاح على العالم الإسلامي الأعجمي والعمل على إصلاح العالم الإسلامي العربي، ففي المحصلة خير للجميع بمعيار التقوى، فلا أعجمي ولا عربي، ولا شيعي ولا سنّي. وإنما كيف نستطيع تجسير الفجوة بين الصالحين والفالحين. ومعركتنا الفكرية هي الصدق مع الذات ومع بعضنا البعض ومع الآخر. وجدد سموه الدعوة إلى نظام عالمي إنساني جديد يحقق المعنى الحقيقي لمفهوم المواطنة والانتماء.
من جهته، تحدث د. محمد أبو رمان حول دواعي قيامه وزميله حسن أبو هنية بتأليف كتاب "أنا سلفي"، الذي يحاول تقريب صورة المجتمع السلفي من القارىء برواية السلفي الذاتية وتشريح الهوية السلفية من منظور سوسيولوجي بحت، ومن خلال منهج يعتمد على المقابلات الخاصة مع نماذج من داخل هذا المجتمع أو قريبة منه، وصولاً إلى تشخيص الإشكالية التي تختزلها الهوية السلفية، والتي هي في زاوية رئيسية منها تصوّر أزمة الهوية في المجتمعات العربية والمسلمة، ومعاناتها في صوغ المعادلة الآمنة بين الدين والتراث وشروط الحداثة والعصر والمتغيّرات في العالم.
ويشير المؤلِّف إلى ما يسمّيه "فجوة المعرفة" المتمثلة في ضعف قنوات الحوار والاتصال بين السلفيين والآخرين، وغلبة الرؤية الانطباعية والمواقف المعلّبة من جانب النخبة المثقفة تجاه الحالة السلفية والتعامل معها بوصفها أمراً غريباً أو غير مألوف، بالرغم من أن هذه الحالة ليست أمراً مستحدثاً، ولا غزواً دينياً لمجتمعاتنا وثقافتنا العربية، إذ إنها تشمل تياراً عريضاً له تراثه الفقهي والفكري والدعوي عبر العصور الإسلامية، وتعد اتجاهاً فكرياً- فقهياً، وقبل ذلك عقائدياً حقق انتصاراً كبيراً على الاتجاهات الإسلامية الأخرى، وانتشر في أرجاء العالم العربي، عدا أن الحالة السلفية المعاصرة لها حضور ملحوظ في مناحٍ مختلفة من الحياة العربية.
يشتمل الكتاب على فصل تمهيدي عن السلفية وجذورها الفكرية والتاريخية وأبرز اتجاهاتها، ومنها في الأردن الاتجاه التقليدي، الذي يركز على الاهتمام بالعلم الشرعي وتصحيح الأحاديث النبوية ويرفض الاشتغال بالعمل السياسي. والاتجاه الثاني وهو الجهادي الذي يتأسس خطابه الأيديولوجي على الحركية والجهاد، ويتخذ من العمل المسلح وسيلة للتغيير، ثم الاتجاه الحركي، وهو تيار يجمع ما بين الاهتمام بالعلم الشرعي والدعوة والعقيدة السلفية والجانب التنظيمي السلمي. وتتناول فصول الكتاب الباقية تحليل الهوية السلفية بمختلف تشعبات تلك الاتجاهات من خلال نماذج واقعية في إطار الدراسة. وينتهي الكتاب بملاحظات ختامية تشير إلى أن الصعود السلفي، سواء في الأردن، أو في الدول العربية الأخرى، يمثل في جوهره جواباً على تحدي الحداثة والعولمة، أو الأزمة التي تمرّ بها المجتمعات العربية والإسلامية، ما عزّز الشعور لدى شريحة واسعة من المجتمعات المحلية بأن هويتها الدينية والثقافية وقيمها أصبحت مهددة. وتأتي السلفية بوصفها تعبيراً عن أقصى اليمين في حماية هذه الهوية وحفظها من تلك الأخطار الواقعية أو المتخيّلة.
ويرد في تلك الملاحظات أن رد فعل السلفي في تعريفه للهوية الدينية لا يقوم على محاولة تطوير هذه الهوية لتكون قادرة ومؤهلة لمواجهة الواقع، بل هو في حقيقته إدانة للواقع، وهنا تبدو معضلة الهوية السلفية في إدراكها أن تغيير الواقع والخروج من استحقاقات العصر مهمة في غاية الصعوبة، الأمر الذي يؤدي بخيار السلفي إما الوصول إلى أكبر قدر من التكيف والانفتاح ضمن حدود هذه الهوية، وإما الانغلاق على الذات والجماعة التي ينتمي إليها، أو القيام بمغامرة جارفة في محاولة تغيير هذا الواقع بالقوة.
وقال الباحث المشارك في هذه الدراسة حسن أبو هنية: إن الظاهرة الإسلامية الحديثة والمعاصرة هي ظاهرة مركبة ومعقدة، وهنالك تصنيفات متعددة لها وأيضاً رؤى نمطية في التعامل مع الحركات الإسلامية، منها الرؤية الاستشراقية، والرؤية الطوائفية، وما يقال عن الظاهرة الإسلامية بوصفها ظاهرة واحدة لا يأخذ في الاعتبار تنويعاتها.
وأضاف: إن الناس في لحظات الأزمة يجدون حاجة للعودة إلى الحركات الإحيائية، مما يجعل السلفية جزءاً من سوسيولوجية التحولات في المجتمع وليست وافدة عليه أو آتية من الخارج.
أعقب هذا العرض نقاش موسع بين المشاركين في اللقاء أداره الدكتور الصادق الفقيه، الأمين العام لمنتدى الفكر العربي، وتطرق فيه المتداخلون إلى أهمية تعليم ونشر الثقافة الإسلامية الأصيلة بمنهجية تطبيقية حكيمة درءاً للتحول نحو التطرف من قبل الناشئة والشباب، وكذلك إدامة نشر قيم الاعتدال والوسطية، وإشاعة الروح الإيمانية وتشجيع البحث والتفكير العلمي والناقد، والاهتمام بتأهيل الأئمة والوعاظ، وركز المناقشون على دور الإعلام في تهيئة المناخ العقلاني للتعامل مع الطروحات والأفكار التي قد تؤدي إلى الغربة والانفصال عن المجتمع، بما يجعله قابلاً للتفكك. وأكدت الآراء ضرورة إدامة الحوار بين الجميع كمدخل للفهم والتفاهم والحفاظ على السلم الأهلي، والمشاركة في إيجاد الحلول للمشكلات الاجتماعية،
وأعلن الأمين العام للمنتدى أن هذه الحوارات، وغيرها من الخلوات الفكرية ستميّز برامج منتدى الفكر العربي في العام المقبل 2015.