قال سمو الأمير الحسن إن تعظيم المشتركات والجوامع البناءة واحترام الفوارق بين المواطنين قواعد أساسية لتفعيل المجتمعات وتمكينها وإنابتها، كاشفاً سموه أن إقليم غرب آسيا وشمال إفريقيا يوجهان خطر الركود وأعباء بيئية واقتصادية وإنسانية إضافة إلى زيادة احتمالات

عمان - الثلاثاء -  24/12/2013 

قال سمو الأمير الحسن إن تعظيم المشتركات والجوامع البناءة واحترام الفوارق بين المواطنين قواعد أساسية لتفعيل المجتمعات وتمكينها وإنابتها، كاشفاً سموه أن إقليم غرب آسيا وشمال إفريقيا يوجهان خطر الركود وأعباء بيئية واقتصادية وإنسانية إضافة إلى زيادة احتمالات حدوث «الانفجار السكاني» مع ما يترتب على ذلك من آثار سلبية  في الإنسان والبيئة.
ولفت  سموه في الجلسة الحوارية التي عقدها مركز «الرأي» للدراسات بعنوان «العرب.. قراءة في دلالات الواقع وخيارات المستقبل»، وشارك فيها نخبة من قادة الرأي والفكر والسياسيين والخبراء وقدمه فيها رئيس مجلس إدارة المؤسسة الصحفية الأردنية (الرأي) الزميل سميح المعايطة، إلى أن الحرب الدائرة في سوريا تشكل أكبر تهديد للأمن الانساني في الإقليم للسنوات المقبلة، موضحاً أن دول الإقليم بحاجة ماسّة لإيجاد تعريف بنيوي للمواطنة، وإلى المزيد من الانفتاح السياسي والحريات الفردية.
وأكد سموه على ما قاله جلالة الملك عبد الله الثاني من أن المؤسستين العسكرية والمدنية جزءٌ من جسدٍ واحد، موضحاً في هذا السياق أن إدارة الموارد الوطنية كلٌّ لا يتجزأ، وأن استمرار الحوار بين مثلث السياسة والاقتصاد والمجتمع المدني أساس لتطوير الإدارة.
وكان سمو الأمير الحسن استهلّ حديثه بالقول: «نتحدث اليوم عن العرب.. ونقرأ دلالات الواقع وخيارات المستقبل بعد مرور أكثر من عامين على ما يسمى انطلاقة (الربيع العربي) تحت شعار: ماذا يريد الشعب؟ وهو عنوان كتاب لـ جلبير أشقر الأستاذ في مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن»، وأضاف سموه أن أشقر يقدم من خلال هذا الكتاب دراسة متميزة عن هيكلة الانتفاضة العربية وجذريتها.
وتابع سموه: «هل بالإمكان الحديث عن خيارات المستقبل في غياب قاعدة معرفية إقليمية وفي غياب رؤية إقليمية مبنية على فهم مشترك للأولويات؟»، موضحاً أننا بحاجة إلى حوكمة المبادرات الإقليمية قبل الانطلاق بها نحو العالم، وأنه رحّب في هذا الإطار بالجامعة العربية ومنظماتها المعنية بالحوكمة في اللقاء الذي عُقد في عمّان مؤخراً.
وأكد سموه أن الحوكمة الرشيدة والفساد «متناقضان»، وأن غياب القاعدة المعرفية الإقليمية يجعل أيّ محاولة لتعزيز التعاون الإقليمي «غير مثمرة»، فعلى سبيل المثال أعلن الأردن مؤخراً نيته توزيع 7 ملايين بطاقة ذكية للمواطنين المقيمين فيه، بيد أن هناك غياباً لتعريف حقيقي للمواطن المقيم في الأردن، إذ لا توجد إحصاءات موثوقة لعدد السكان.
وأشار سموه إلى أن وزارة التخطيط والتعاون الدولي قامت مؤخراً بتأجيل إجراء التعداد السكاني الذي كان من المقرر إجراؤه في العام 2014، فكيف يمكن توفير قاعدة من البيانات الملائمة لإجراء المقارنات والإسقاطات والبيانات الديمغرافية والخصائص الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع في غياب التعداد السكاني؟
وفي وقتٍ أثنى فيه سمو الأمير على مركز «الرأي» للدراسات الذي يُعِدّ دراسات تنطوي على كثير من الحقائق، إلا أنه استدرك بقوله إن الحقائق الصادرة عن مراكز الدراسات بعامة تخلو من قاعدة معرفية إنسانية اقتصادية ومكانية معتبرَة.
وتساءل سموه: كيف يمكن السير في المشروعات المشتركة على نطاق الإقليم والعالم؟ لافتاً إلى أن عملية التنمية التي يجري الحديث عنها ليست مشاريع ريعية تجعل الغني أكثر غنىً والفقير أكثر فقراً، فعملية التنمية بالفهم السليم تعود للمرحلة الثالثة أو الموجة الثالثة كما سماها ألفن توفلر»: «موجة الفكر»، وقال سموه: «مقابل الاحتباس الحراري في العالم، نعاني في العالم العربي من الاحتباس الفكري والإرادي، ونعاني من اللاأبالية، وهذه المعاناة تجعلنا نتساءل: كيف الانخراط في حوار السياسات وبناء الاقتصاد المستدام من دون قاعدة معرفية وطنية وإقليمية والتي تكون الاستدامة في غيابها متروكة للاضطرابات تحت عنوان (الفوضى الخلاقة) التي قَبِلنا بها وذلك بأن نُبقي كل شيء (تحت السطر) ونتعامل اسميّاً وشكلياً مع القضايا الملحة».
وقارب سموه بين الأردن ولبنان بوصفهما «حمّالَيّ الأسيّة» في كل ما يجري في العالم، فلم يتم إجراء تعداد سكاني في لبنان منذ عام 1932، وفي غياب قاعدة معرفية تقدم المعلومات والتوصيات فإن إقليم غرب آسيا وشمال  إفريقيا  يواجه «خطر الركود وأعباء بيئية واقتصادية وإنسانية كثيرة».
وتابع سموه: «عندما نتحدث عن البيئة، نتحدث عن الحِمَى، أي البيئة المكانية والإنسانية»، مشيراً إلى أن عدد المُقتلَعين في إقليم غرب آسيا تجاوز 20 مليوناً، وموضحاً أن المسألة ليست متعلقة باللاجئين والمهجرّين في صنوفهم المختلفة، الذين تعترف بهم الأمم المتحدة من خلال نظرة ثنائية، فكل وكالة في الأمم المتحدة تصنف فئة معينة من اللاجئين، ولكن المسألة أننا في هذا الإقليم نعاني من انفجار «القنبلة السكانية».
وفي هذا السياق قال سموه إن إقليم غرب آسيا وشمال  إفريقيا تجاوز طاقته الاحتمالية، حيث يُتوقّع أن يزداد عدد سكان الإقليم بنسبة 30 % بحلول عام 2030.. وأكد أن استشراف المستقبل من المهام المشتركة بين المنتدى العربي والمجلس الاقتصادي والاجتماعي لغرب آسيا، وبينه وبين الجامعة الأردنية أيضاً، فالمؤسسات تتنافس في الحديث عن الأردن عام 2025 والإقليم العربي 2030، ولكن حقيقة الأمر أن «الحقيقة واحدة» بتعبير سموه.
وبيّن سمو الأمير أن الدول القُطرية «وليدة سايكس بيكو» ليست قادرة بمفردها -إن كانت في يوم من الأيام قادرة- على تلبية احتياجات الإقليم، مشيراً إلى أن الإقليم الذي نتحدث عنه بتعريف البنك الدولي هو إقليم مُستورِد للنفط والطاقة، فهناك ثلاثة تعريفات للدول بحسب البنك الدولي: الدول المصدّرة للنفط، والدول التي تنتقل إلى قدرة مستقبلية لتصدير النفط والطاقة، ومنها اليمن على سبيل المثال، أما التعريف الثالث فلم نعد كما كنا عليه في يوم من الأيام؛ دولاً مصدّرة لرأس المال الإنساني، فهذه مرحلة وموجة من حياتنا على العموم قد تجاوزناها.
ورأى سموه أننا إذا تناولنا القضايا المحورية الأساسية، مثل المياه والبيئة والاقتصاد والأمن والثورة والنمو السكاني واللاجئين والثورة الرقمية، يمكننا أن نرسم معالم المستقبل في وقت نحافظ فيه على القدرة الاحتمالية للإقليم. وأشار إلى تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2013 الذي قدم تحليلاً لثلاثة مهددات عالمية: الانحباس الحراري (والحديث هنا عن الاحتباس الفكري والإرادي)، وتدني مستويات التعليم، وغياب الحضور والمشاركة الحقيقية بالمواءمة بين التعليم وفرص العمل.
وقال سموه: «الملاحظة الأولية حول اختبار الثبات والصمود الاقتصادي والبيئي، تذكّرني بالصمود، وما أشبه اليوم بالماضي القريب. هناك مراكز للحديث عن الصمود الحيوي على هذا الكوكب، ومنها ما انبثق عن مؤتمر وارسو للانحباس الحراري».
وأشار سموه إلى «الصدمة المستقبلية» التي يتحدث عنها «توفلر» في كتابه الشهير (Future Shock)، ففي ظل ما يعيشه العالم من صدمات واحدة تلو الأخرى، والتبلُّد -مع شديد الأسف- شأنُ الجميع، يكون السؤال عن الإصلاح الحقيقي، والاتساع الرقمي الكبير في ظل عالم مفرط الاتصالية.
وتوقف سموه عند الثورة الرقمية التي نعيشها اليوم بعد الثورة الصناعية وثورة الاتصالات، مشيراً إلى أن الوسيلة متوفرة أمامه الآن ليخاطب 8 جامعات أردنية عبر (الوايت باند) في وقت واحد، داعياً إلى «نشر المعرفة» وأن تصل الأفكار إلى الشباب وألاّ تكون محصورة بين جدران القاعات ولقاءات النخب، انطلاقاً من أننا ننتظر الكثير من الجيل الشاب، ونؤمن بحق الحياة وفي حق الأجيال القادمة.
وقال سموه إن هنالك حُزًماً متداخلة من المخاطر التي تواجه المنطقة العربية، من أبرزها مخاطر النظام الاقتصادي، أو غياب الرؤية الناظمة للاقتصاد التي نفهم من خلالها أهمية وقار الإنسان، فالنظرة الاقتصادية غالباً ما تكون ريعية، كاشفاً سموه أنه لا يستطيع أن يوافق ضميرياً على ناطحات السحاب في عمّان، مثلاً، أو على حالة اللاجئين السوريين، أو انتقال شلل الأطفال ربما بالملايين إلى الساحة العربية، كما لا يستطيع أن يستمع إلى الأخبار عن عشوائيات التجمعات في لبنان على سبيل المثال التي يصعب على طبيب مختص الوصول إليها لتوفير العلاج في وقته.
ورأى سموه أن المخاطر لا تقتصر على الاقتصاد، فالمسألة ليست: كم يوجد في جيبك أو في جيوب الآخرين؟ بل هي في مخاطر النظام البيئي والإنساني والمكاني. وفي هذا السياق تساءل سموه: لماذا هذا التركيز على المفرق والرمثا وإربد؟ لماذا ننسى الحدود الشرقية، كأنّها ليست ضمن حدود الأردن، مذكّراً سموه أن الأردن في 1990 تعامل مع مليون ونصف المليون مُهَجّر من 50 جنسية جاءوا من ساحة الكويت وعبروا الأردن بسلام، ومشيراً أن أيّ قلاقل على الحدود اللبنانية في المستقبل قد تؤجج الهجرة من جديد، فهل نأتي بالمهجَّرين جميعاً ونضعهم في محافظة أخرى مثلاً؟
ودعا سموه إلى ضرورة الإقرار بأن نصف هؤلاء المهجَّرين السوريين أصبحوا يقيمون في عمّان، مذكراً بأن هؤلاء جميعاً بما في ذلك المجتمعات المضيفة مواطنون عرب، فالنهضة التي نؤمن بها والتي جاءت بها الثورة العربية الكبرى لا تجيز لنا أن ننزع هوية المواطنة عن المهجرين  بسبب الاختلاف في مستوياتهم الاجتماعية نتيجة ظروف خارجة عن إرادتهم.
وتابع سموه: «ملك البلاد -جزاه الله خيراً- يقول اليوم إن المؤسسة العسكرية والمؤسسة المدنية جزءٌ من جسد واحد»، وأضاف في هذا السياق أن إدارة الموارد الوطنية أيضاً كلٌّ لا يتجزأ، وتساءل من هذا المنطلق: أين رسالة الحوكمة الرشيدة في هذه الأيام؟ مستشهداً بما قاله «لين كولن» عندما أريد منه ان يُصلح المجموعة الأوروبية: «ما هي رسالة الحوكمة الرشيدة؟»، وتابع سمو الأمير: «في الحالة الأردنية، هل الرسالة هي استقرار الأردن وبقاؤه وسط التهديدات المعروفة؛ الغنى الفاحش من جانب، والضغط من جانب آخر؟ فمنذ سنة 1958 والمساعدات تنهال على دولة إسرائيل من الغرب استثماراً ضد اختلال الأمن في هذا الإقليم».
وعرّج سموه على انهيار حلف بغداد سنة 1958 قائلاً: «لنكن منصفين ونتخيل باكستان وتركيا وإيران والعراق والأردن أعضاء في تجمع عربي أعجمي لفترة وجيزة، حيث مشاريع الري في الباكستان التي هي من أكثر دول العالم كفاءة في مشاريع الري، وجامعة الشرق الأوسط في أنقرة.. لقد اتُّهم هذا الحلف بأنه مؤيد للغرب، فمن يستطيع اليوم أن يقول إنه يغرد خارج السرب ولا يؤيد الغرب؟!».
ورأى سموه أن مشكلتنا الأساسية تكمن في مخاطر النظام الاجتماعي، لأن هنالك ازدواجية في نظرتنا.. فهناك المظاهرات أمام السفارات الغربية، وفي الوقت نفسه هناك قوافل الشباب الذين يذهبون للحصول على «الفيزا» من القسم القنصلي من الباب الخلفي! وأضاف سموه أن رأس مالنا الأساسي يتم استئصاله ونحن نتفرج.. «حتى ترتيباتنا الخاصة في موضوع الجنسية لا أستطيع أن أفهمها، الغزّاوي الذي يتزوج من أردنية، ابنه ليس أردنياً، هكذا فهمنا أو أُفهمنا.. جدي -رحمه الله- عندما قال إن جميع الذين يقطنون في الأردن يستحقون الجنسية، كان يدرك أن هذه الأرقام ستتضاعف.. في العام 1992 كان من المفروض أن يكون الأردن مليونين ونصف المليون إنسان، الآن قاربنا على 8 ملايين.. كيف تميز بين قطب الهجرة وقطب التنمية، وهؤلاء بشر يستهلكون المواد نفسها على اليابسة نفسها»، وأوضح سموه أنه آن الأوان لأن نتحدث هنا عن استراتيجيات، وأن ننظر نظرة كلية للواقع الذي يعيشه هؤلاء.
وقال سموه: «نحن نتحدث عن ملايين البشر من المواطنين العرب الذين سيهددون بكل تأكيد النظام العربي إن لم نؤكد أنسنة ذلك النظام.. المدخل الأساسي هو أن نتعامل بسوية وروية واحترام متبادل مع المواطنين العرب كافة دونما تمييز».
وأشار سموه إلى المؤتمر السنوي الرابع عشر المعنون «المرونة تجاه المخاطر العالمية في المنطقة العربية» الذي سيُعقد برعاية جامعة الدول العربية في كانون الأول 2014، مبيناً أن اللقاء الأخير الذي عُقد في كانون الأول 2013 والتمهيد لهذا اللقاء مَهّدَ لأمر مهم، هو تعريف أهداف الاستدامة الدولية، فهناك اجتهادات لدول كثيرة، فيما المجموعة العربية غائبة كلياً عن ساحة تعريف الأولويات لمستقبل التنمية المستدامة في العالم، فلا يوجد فهم عربي مشترك إزاء هذا الموضوع.
وتابع سمو الأمير: «أنا معنيّ في قضية المياه منذ فترة في إطار الأمم المتحدة، ولكنني لا أحصر الملاحظة على قضية المياه، فهناك قضايا الفقر والعطش. منظمة الصحة العالمية تتوقع أن يكون هناك حاجة لـِ 500 مليار دولار، وهو مبلغ قليل نسبياً لتوفير المياه العذبة لـ 2 مليار على هذا الكوكب على مدى عشر سنوات».
وفي المقابل، بحسب الأمير، أنفقت الولايات المتحدة الأميركية على حرب أفغانستان 17 ترليون دولار، فماذا استفدنا من هذه الحرب؟  وتابع: يقول وزير الدفاع البريطاني «مستر هاملت» قبل أسابيع إنهم أخرجوا «القاعدة» من أفغانستان، والسؤال هنا: إلى أين نقلوهم؟!
ولفت سموه إلى المشتركات العالمية والإقليمية والعربية، كالمياه والبيئة في شرق آسيا وشمال إفريقيا، فعلى صعيد الإقليم يقدر عدد السكان بـ 6 % من سكان العالم، ويحتل الإقليم 10 % من مساحة الكرة الأرضية، إلا أنه لا يمتلك إلا 2.1 % من مياه العالم العذبة المتجددة، وعلى صعيد المنطقة العربية نجد أن ثلثي البلدان العربية لديها أقل من 1000 متر مكعب من المياه للفرد. وفي حلول عام 2025 تستخدم الدول الغنية بالنفط ما يربو على ضعفي كمية المياه المتوفرة لديها طبيعياً، وفي حلول عام 2030 سيزداد الطلب على المياه العذبة والمستدامة بنسبة 40 %، ويمكن أن تصبح مدينة صنعاء أول عاصمة في العالم تنضب فيها المياه الصالحة للحياة.
وأوضح سموه أن تكلفة إيصال مياه الشرب للأغلبية البشرية في العقد القادم هي 530 مليار دولار بحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، وأن هناك ما يزيد على 6 مليار نسمة يحملون هواتف نقالة، ولكن 4 مليارات فقط لديهم صرف صحي.
وأضاف: «يقولون إن الخصخصة أنهت الأولويات، وأنهت التخطيط، ولا أرى حقيقة إلا تعزيزاً لأجهزة التخطيط، تخطط لماذا وبموافقة من؟ وبتعبئة وطنية أم بنظرة فوقية؟»، موجهاً سؤالاً لرئيس الحكومة حول غياب سلطة المصادر الطبيعية عن اللقاءات المائية، ليتبين أن هذه السلطة هي سلطة لبعض المصادر الطبيعية، وأن المياه ليست من اختصاصها.
ودعا سموه إلى تعزيز الحوار والتشبيك والتنسيق والتعاون بين دول الإقليم بالشأن الحيوي للتغلب على تحديات موضوعية، مثل المياه والطاقة والبيئة الإنسانية، وأن يكون ذلك التشبيك «فوق قُطري» ليس متأثراً بالفساد ولا بالعقائد.
وعرّج سموه على تحدي النمو الاقتصادي في إطار الإقليم، إذ بلغت حصة الإقليم من الناتج العالمي الاقتصادي 7.3% في العام 2009، بينما كان الناتج الإجمالي المحلي للفرد الواحد أقل من 6 آلاف دولار أميركي، وهو أقل بدرجة ملحوظة من المعدلات في دول أميركا اللاتينية ودول الكاريبي وشرق آسيا والمحيط الهادي.
وبيّن سموه أن مصر وتونس والمغرب والأردن عربياً ما تزال تراوح مكانها في «مصيدة الدخل المتوسط»، حيث أن الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد هو بين 5 الآف و10 الآف دولار، وهذا الوضع يعدّ «ركوداً اقتصادياً».
أما الأوضاع السياسية في ما يسمى «دول الربيع العربي»، والغموض الذي يكتنفها، فرأى سموه أنها تؤثر سلباً في فرص النمو، فمع نهاية عام 2014 يتوقع مصرف «HSBC» ان تبلغ تكلفة «الربيع العربي» على اقتصادات المنطقة 800 مليار دولار في الوقت الذي تعاني فيه هذه الدول من تراجع معدلات الاستثمار المنخفضة أصلاً.
ولفت سمو الأمير الحسن إلى أن هذا الإقليم يمتلك أعلى معدل بطالة في العالم (14%)، وعلى صعيد دول «الربيع العربي» يتراوح معدل البطالة للدول المذكورة ما بين 18 و30%، كما يجب على الإقليم إيجاد 70 مليون فرصة عمل جديدة في غضون نهاية العقد الحالي.
وقال سموه: في غياب نمو اقتصادي أفضل وأكثر إنصافاً، نتذكر أهداف «الربيع العربي»:العدل.. إذ نستطيع أن نتعايش اكثر، لكن غياب العدل والإنصاف يجعلنا غير قادرين على التعايش مع مقوماته.. نحن كعرب، قد نهيئ لـ«تسونامي» جديد من الغضب العارم الذي سيأكل الأخضر واليابس» نتيجة بُعدنا عن المفاصل الحقيقية للحوكمة الرشيدة.
ولفت سموه إلى أنه دعا إلى تأسيس بنك إقليمي لإعادة الإعمار والتنمية، يمكن أن يؤسس تعاوناً مهماً مع صندوق عالمي للزكاة، مشيرا إلى الحوارات العديدة والمفيدة مع الصندوق العربي والصندوق الإسلامي إلا أنهم كانوا يقدمون مزيداً من الوعود. وتابع في هذا السياق: «آن الأوان أن نحسم الأمر مباشرة، هل هنالك استعداد لفهم أن الصيرفة الإسلامية والصكوك الإسلامية باتا ضرروة مهمة.. بريطانيا تلجأ للصكوك الإسلامية لتنشيط الاقتصاد البريطاني، هل ما هو إسلامي مقبول في لندن وغير مقبول عند أمة محمد؟  يقول تعالى: «كبر مقتاً عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون»، وتساءل سموه: لماذا هذه المزايدات والتوتر العقائدي حول المظلوم والمشرد والمستضعَف، هناك حاجة لتقرير مصيرنا مؤسسياً، وإلا بقينا مسكونين بقضية القائد المُخلّص، وينصرف هذا الأمر على أطراف المعادلة العقائدية كافة.
وبشأن تحديات الأمن الإنساني، قال سموه إن الحرب الدائرة في سوريا تمثل أكبر تهديد للأمن الإنساني في الإقليم في السنوات الأخيرة، فدول الإقليم ترزح تحت وطأة الأعداد الضخمة للاجئين والنازحين، ويقدّر عدد القتلى جراء الحرب الدائرة في سوريا بـِ 125 ألف شخص، ومع نهايات آب 2013 بلغ عدد القتلى من الأطفال 13 ألفاً، أعمارهم من 17 سنة أو أقل، والسبب الرئيس لوفاة الأطفال والنساء يتمثل في الأسلحة المتفجرة التي أدت إلى مقتل 71% من الأطفال الذين عُرف سبب وفاتهم، وتم توثيقه.
وأوضح سموه أنه حتى 20 تشرين الثاني 2013 بلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدي المفوضية العليا للاجئين ما يزيد على 998 ألفاً، متسائلاً: إذا كانت المنطقة بمفهوم الأمم المتحدة قد طلبت 3.2 مليار دولار لمساعدة 3.9 مليون شخص في العام 2014 في سوريا، إضافة إلى 2.4 مليار دولار لمساعدة اللاجئين والمجتمعات المضيفة بحيث أن المجموع هو 5.6 مليار دولار، فهل يشكل هذا عبئاً على دول مولت قروضاً بالترليونات، وعلى دول موّلت التسليح والتسلح بالمليارات والترليونات؟ هناك صناديق سيادية  تدير أموال بعض الدول العربية، وفي حين يتمكن (جستن موندي) المكلف بترتيب الملف المالي للاستثمار في الآسيويين الذين يذهبون إلى مدن بريطانيا الأقل حظاً (وبطبيعة الحال نبارك مثل هذه الخطوة) من جمع المشرفين على الصناديق السيادية الخليجية، فإننا لا نعرف أسماء هؤلاء المشرفين، وهم غالباً ما يكونون من الأجانب.
وتابع سموه: «يسألونني.. ما رأيك في الاقتراض من مجموعة التعاون الخليجي، فيكون ردّي: أين المحتوى وعلي أيّ أسس؟ هل هناك فهم حقيقي لمستقبل استقرار هذه المنطقة الذي يجب أن يُبني على نظرة الاستقلال المتكافئ والاستقلال المتكافل؟ وإلا بقينا رموزاً للدول المصدرة للنفط، والدول المستوردة للنفط.. ماذا عن الأمر الأساسي: وقار الإنسان العربي ومستقبله؟».
وتوقف سمو الأمير عند تحديات التنمية السياسية، إذ يعاني إقليم شمال  إفريقيا  وغرب آسيا منذ عقود خلت، من غياب الحوكمة الرشيدة وتقييد الحريات السياسية، مشيراً إلى أن مؤسسة «ليجاتون» للازدهار التي تصدر فهرساً سنوياً للازدهار تلفت إلى علامات متدنية بالنسبة لمؤشرات الحوكمة في إقليم غرب آسيا وشمال  إفريقيا،  فمن بين 16 بلداً في غرب آسيا وشمال إفريقيا، ما تزال 11 دولة تتجه نحو الاستبداد بدلاً من التوجه نحو الديمقراطية، كما تحتل 13 دولة من دول غرب آسيا وشمال  إفريقيا  مكانها بين آخر 30 بلداً على مستوى العالم بما يتصل بمؤشر الحرية الشخصية الفرعي.
ومن الأسباب المطروحة لهذه المعضلات، ما دعاه سمو الأمير «غياب التعريف البنيوي للمواطنة»، حيث صدر ميثاق المواطنة العربية عن الميثاق الاجتماعي العربي، وهناك توجه لكي تتبناه منظمة غرب آسيا وشمال  إفريقيا، وهو يبدأ بديباجة المواطنة العربية الحرة والمسؤولة، لكن للآن لم يرسخ في الذهن، بل هناك مع الأسف دوائر متضائلة من الاهتمام في قضية المواطنة والصالح العام.
وتابع سموه: دول الإقليم بحاجة إلى مزيد من الانفتاح السياسي والحريات الفردية وانفتاح أكبر على الأقليات، مستدركاً أن تعبير «الأقليات» ليس من التعابير التي يرغب في استخدامها في إطار الحديث عن الأردن، ذلك أن الأقليات في الأردن مكونات أساسية لهذا المجتمع.
وختم سموه حديثه في الإشارة مرة أخرى إلى اهمية  المشتركات البنّاءة وتعظّيم الجوامع واحترام الفروق: «لا بد أن يكون لنا موقف من قضية الحكم المركزي واللامركزية، بمعنى التفعيل والتمكين والإنابة وتهيئة المواطن الذي يستطيع أن يتحمل المسؤولية مباشرة. فقد كان التركيز منذ السبعينات في العالم وبعد الحرب الكونية على تفويض المسؤولية وإيجاد فرق قادرة على أن تدير نفسها بنفسها».
وقال سموه: «الأردن بقياداته السياسية والتشريعية والتنفيذية والقضائية، وبقياداته الاقتصادية والاجتماعية وغرف الصناعة والتجارة وقياداته المدنية، يشهد نوعاً من الانتخابات ، ومع ذلك يمكن القول إن صندوق الانتخاب ليس وحده فيصل الديمقراطية.. في الواقع إن ثمة ثمناً كبيراً ندفعه يومياً، ثمن النوم والاستكانة، لأن الصالح العام مع شديد الأسف لم يتم تناوله بحوار يرتكز على فن المحادثة النبيل، وليس من شأني أن أحدد أين يُجري هذا الحوار. رئيس مجلس الأعيان الحالي يقول: تحت قبة البرلمان. فليكن، ولكن هذا لا يعني ألاّ تجمع الفئات الثلاث السياسية الاقتصادية والمدنية بصفة شخصية، تترك الألقاب خارج القاعة وتدخل عملياً للحديث الموضوعي في خدمة الصالح العام. هذا فهمي للتعبئة الوطنية والخُلُق الأردني الذي هو اندماجي، إذ يشارك الجميع في خدمة المجتمع».

النقاشات
في مداخلته قال الزميل الصحفي د.صلاح العبادي إن الأسئلة التي تتبادر في أذهان الأجيال الشابة هو: إلى أين نحن ذاهبون في مرحلة «الربيع العربي»، بل مرحلة «الضياع العربي» الذي تعيشه المنطقة؟ وكيف يبدو مستقبل جماعة الإخوان المسلمين فيها؟ وهل يمكن القول إن ما يواجهنا هو مشكلة إدارة في الدرجة الأولى؟
واستذكر الوزير الأسبق د.بسام الساكت ما تحدث به سمو الأمير الحسن قبل ثلاثة عقود عن «البلقنة» و»التفتُّت» و»الموزاييك» في المنطقة. وأضاف: «بعيداً عن تبني نظرية المؤامرة، كنا نخاف من الخارج: الاستعمار وإسرائيل، ثم أصبح خوفنا الآن من الداخل، فقد اختلطت منابع الخوف داخل المجتمعات العربية حتى في الشارع الأردني، وإن كان بمقدار أقل لأن حكمة القيادة تحتويه.. ثمة الخوف من اللون، ومن العرق، ومن الدين، ومن الملة ومن الطائفة».
وتابع الساكت في هذا المضمار: «ما صرّح به الأمير تشارلز مؤخراً لصحيفة (التايمز) ينطوي على صرخة كبيرة، إذ يتحدث عن الأقلية المسيحية في المنطقة العربية، ويبدي خوفه عليها وتعاطفه في الوقت نفسه مع الفكر الإسلامي والصكوك الإسلامية والتوجه الإسلامي والقيم الروحية الإسلامية».
وقال الساكت: «نحن أغنياء مادياً، والعجز الذي نشهده معنوي وليس مادياً»، متفقاً مع سمو الأمير في أهمية «المسؤولية الاجتماعية»، وأن الحل لا يأتي بـ «كبسة زر»، بل يحتاج إلى وقتٍ كافٍ عبر القدوة الحسنة في السياسة والاقتصاد والإدارة، وكل ذلك في إطار من الحوكمة والتربية الوطنية، بحيث تكون لدينا المنعة الداخلية، وتصبح هناك حقوق للمواطنة، ويكون قلبنا على الداخل وعلى أمتنا العربية في آن، وبذلك تكون الحوكمة ميثاقاً مدنياً لأبنائنا وللأجيال المقبلة.
من جهته، قال د.صالح الشرع إن التنمية المستدامة تعني التوازن بين الموارد المتاحة واستهلاكها من دون الإضرار بمقدرات الأجيال اللاحقة، وتساءل إن كان المقصود بالحوكمة الرشيدة في الوطن العربي إيجاد آلية للإدارة والتكامل بين هذه الموارد المختلفة.
تساءل نائب رئيس مجلس الإدارة في المؤسسة الصحفية الأردنية (الرأي) منصور النابلسي عن موقع الأردن في مشهد «الربيع العربي»، ذاهباً إلى أننا «نضع الحل بعد وقوع الحدث وليس قبله»،  وأن السلطة التنفيذية بعامة تتبع الأهواء الشخصية في التعيينات والتنقلات، وتأتي بـ «المحاربين القدامى» من دون أن تعطي فرصة للخبرات العلمية والشباب المتجدد.
ولفت الزميل في «الرأي» إبراهيم السواعير إلى المآرب التي يمكن ان يُحمَّل عليها مصطلح «الأقليات»، مثنياً على عدم رغبة الأمير في استخدامه. وأوضح أن فترة «الربيع العربي» بمتغيراتها وبمحفزاتها أنشأت ارتداداً بالضد من التشاركية الإنسانية، وأن المجتمع الأردني يتجاوز النعرات إلى التآلف الإنساني والتنوع الثقافي الذي نعيش.
أما د.أسامة تليلان فقال إن هشاشة كلٍّ من هوية الدولة والوحدة الوطنية (الالتزام بجماعة سياسية مشتركة) والهوية الوطنية، أعاقت عمليات التحول السلس نحو الديمقراطية في إطار «الربيع العربي»، مشيراً إلى أن غياب برامج التربية المدنية في الأردن، وفي المنطقة العربية بعامة، يشكل ظاهرة في هذا المجال.
وتساءل الزميل في «الرأي» فيصل ملكاوي: هل توقف «الربيع العربي»؟ وهل هو احتفالية بدأت بقص شريط وانتهت بتاريخ معين؟ وإلى أي مدى استفدنا منه؟ وهل هو شر مستطيراً، أم إنه خير وشر في الوقت نفسه؟ وكيف نستغل ورقته؟

رد سمو الأمير الحسن وتعقيبه
قال سمو الأمير إن المبادرات الشبابية في الوطن العربي عديدة، ولكنها تخلو من التشبيك والتكامل. وأضاف أن منتدى الفكر العربي سعى إلى الأخذ بتجربة (TT30- think tank thirty)، وهي تجربة دولية تعاملَ معها سموه عندما كان عضواً في نادي روما، بهدف أن يصبح المشاركون الثلاثينيون في العمر سفراءَ للحديث عن الصالح العام.
وتابع سموه بقوله إن الشاب في المفرق والسلط وفي أي مكان في الأردن يجب ألاّ يكون في حيرة من أمره إذا كان يعيش الثورة الثالثة، التي هي الثورة الرقمية، فالثورة الحقيقية اليوم ليست الصناعية ولا الاتصالية، بل هي الثورة الرقمية، بحيث يستطيع المرء أن يستخدم المعلومة في حال توفرها، ولا بد أن تُسأل الجهات المؤسسية عن غياب القاعدة المعرفية والمعلومة.
ورأى سموه أن ترهُّل التعليم أثّر بشكل مباشر في الشباب، وفي ما يتعلق بالرياضيات والفيزياء، دعا سموه إلى مراجعة تجربة مركز إدارة الموارد البشرية الذي تأسس ذات يوم ليكون وسيطاً بين التعليم العام والتعليم العالي، لكنه أصبح يتعامل مع مناهج دول عربية أكثر مما يتعامل مع منهجية العمل المؤسسي التربوي على مستوى التعليم العام والتعليم العالي في الأردن.
وأوضح سمو الأمير أن المشكلة تكمن في أن الحكومة تتغير كل شهر، ويأتي وزير جديد، فكيف يمكن عندئذ أن نتحدث عن استمرارية السياسات، متسائلاً في مضمار متصل: «ما الفائدة من خريج درَس في الجامعة لعشر سنوات ليتفاخر ولم يفتح كتاباً؟».
وأكد سموه أن موضوع الشباب هو الموضوع الأساسي لـ»الربيع العربي»، لافتاً إلى أن «جلبير أشقر» بيّن هذه الناحية من مدخله الماركسي، وأضاف أن محمد بوعزيزي الذي أحرق نفسه لم يكن إسلامياً، وأن الذي أحرق نفسه بعد أسبوع من تلك الحادثة لم يكن إسلامياً ايضاً، وأن الحركة الشبابية التي بدأت في ميدان التحرير بالقاهرة لم ترفع شعاراً إسلامياً هي الأخرى، بل إن الحركات الإسلامية كانت تابعة ولاحقة، لتؤكد أهميتها في الساحة السياسية بهذه الطريقة.
وحول «البلقنة» والخوف من الخارج، قال سموه: «لو نظرنا في خرائط المنطقة، العرقية والطائفية والفئوية والشللية، سنجد (سَلَطة) بألوان كثيرة. حتى النفط والغاز لهما خارطة خاصة بهما. أحد الاصدقاء في بريطانيا، وهو وزير مسؤول، يقول: (غاز غزة) وليس (غاز إسرائيل)، فالتضييق على غزة له سبب».
وتابع سموه: «موقعنا الجغرافي والسياسي هو بين واقعين: دول محدودة العدد من حيث السكان الأصليين، تستضيف ملايين البشر من خارج الإقليم (دول التعاون الخليجي)، ودول مبتلاة بهذه الحصبة من التجزئة الطائفية والعرقية».
ورأى سموه أن الأمور أصبحت أكثر تعقيداً بوجود خرائط النفط والغاز وخطوط المياه والممرات الاستراتيجية، كأن شيئاً لم يتغير منذ بداية القرن العشرين. وأضاف: «لا يحتاج المرء أن يكون خبيراً فلكياً ليعرف اين مواضع الخلل». وفي التعليق على تخوفات بعضهم في الغرب على المسيحيين في الإقليم، قال سموه إن الغرب يحتاج أن يفهم أنه ليس كل مسلم عربي، وليس كل عربي مسلم، وأن القضية تتعلق بالمواطنة والمساواة في الفرص، لكن هناك مخططات صهيونية للاستفادة من الفراغ التي سيترتب على هجرة المسيحيين من إقليمنا.
وبيّن سموه أن التكافل الاجتماعي يكون لا بخلق مزيد من المنابر الخاصة المنغلقة، وإنما بالانفتاح بعضنا على بعض وجعل موضوع التضامن الأخلاقي أساساً لتوجهنا.
وحول ما يدور من حديث عن الفتنة بين السنّة والشيعة، استعاد سمو الأمير ما قاله الشافعي، وهو إمام سُني من أهل الجماعة: «من لا يصلّي على محمد وعلى آل محمد فلا صلاة له»، مشيراً إلى أننا لا نستطيع أن نقبل في الأردن الهاشمي حدوثَ فتنة بين آل البيت وأتباع آل البيت، لأن الدول التي انبرت للدفاع عن كلٍّ من السُنة والشيعة هي أيضاً جزء من هذا النسيج القومي.
ورأى سموه أن المسألة تعود إلى إدارة «الفضاء الديني» بعيداً عن السياسة، وأوضح في هذا السياق أن اجتماعاً جرى مؤخراً بشأن إدارة الأوقاف اليهودية والمسيحية والإسلامية، مشيراً إلى أن الأوقاف اليهودية في القدس تُدار على مذهب أبي حنيفة، وأنها سُجلّت تاريخياً في العهد العثماني بهذا الشكل، وهي أقل الأوقاف في القدس عدداً.
وقال سمو الأمير في السياق نفسه: «لا نستطيع أن نتحدث عن العلاقة المسيحية الإسلامية في غياب الفهم للواقع المعاش وفي ظل عدم استيعابه».
وبشأن الحوكمة، قال سموه: «بدلاً من المراجعة الربعية للمجلس الاقتصادي الاجتماعي العربي، لا بد أن تُعقَد اجتماعات يومية وأسبوعية بصيغة ثلاثية تضم السياسة والاقتصاد ومؤسسات المجتمع، لتقديم تقرير كامل وناضج لوزراء التخطيط أو الاقتصاد، ثم تتم مراجعته من قِبَل مجالس الوزراء قبل أن تسلَّم الملفات لوزراء الخارجية، لأن الموضوع ليس موضوعاً خارجياً، بل هو موضوع بنيوي داخلي».
وطرح سموه عدداً من الأسئلة: «أين الخطاب العربي الموضوعي الفني المتخصص؟ وأين الأولويات في هذا المفهوم؟ وماذا عن الأداء؟ ومَن يحوكم الأداء؟ وأين معايير الأداء والعطاء؟»، موضحاً أنه لا يلوم الجهاز الإداري على ما يعانيه من تغيير وتخبط وعشوائية وغياب الرؤية، وأن إعادة تنظيم الأولويات الإدارية تستدعي التروّي والتريّث.
ورداً على طرح موضوع المزاجية في التعيينات، دعا سمو الأمير إلى تشكيل مركز أكاديمي للإدارة العليا يشارك العرب جميعاً فيه، مستشهداً بما فعلته بريطانيا العظمى حين حكمت الهند عبر خرّيجي مدارسها العليا.
وحول التشاركية الإنسانية، لفت سمو الأمير إلى لجنة دولية برئاسة الأردن أطلقت مبادرة بعد منتصف الثمانينيات حول الإنسان وأخيه الإنسان والأقليات وأطفال الشوارع.. إلخ، وطالبت بنظام إنساني عالمي جديد. ولفت سموه إلى المفارقة في الحديث عن نظام إنساني عالمي جديد بينما نحن في زمنٍ يشهد تدنّياً للأخلاقيات العالمية.
وفي سياق عضوية الأردن في مجلس الأمن، تساءل سمو الأمير: هل سيكون لنا مدخل للحديث عن مثل هذه القضايا، فالمجلس يتأثر اليوم بالعلماء أكثر من تأثره بالجنرالات؟ وتابع سموه: أيُّ مدخل مناسب لطرح قضايا مثل «الربيع العربي» و»الاحتباس الحراري»، في ظل حقائق منها أن نهر النيل يتضاءل، وأن الأنهر العظيمة تجف، وأن اليابسة ستغمرها المياه خلال عقود، وأن هناك 45 مليون مصري مهددين بالغرق.. فهذه من القضايا الحيوية الأساسية التي يجب معالجتها ولا نستطيع السكوت عنها، لكن مَنْ سيُعلّق الجرس؟
وقال سموه: «نستضيف مشرفين على مشاريع دولية للطاقة والمياه، لكننا لا نستطيع أن نطرح قضايا الموارد من المياه والطاقة والبيئة الإنسانية في منطقتنا».
وفي سياق مواجهة العنف، شدّد سموه على أهمية التربية المدنية والعسكرية، وأن تكون هناك مراجعة لخدمة العلم بحيث تكون مدنية وعسكرية معاً، وأن نلهم هذا الجيل كي يُفَعَّل ويُمَكَّن.
وتحدث سموه عن لجنة دولية تقوم على فكرة «القانون يعمل من أجل الجميع»، أعدّت تقريراً بإشراف مادلين أولبرايت قبل ثلاث سنوات، وقام سموه بإصدار نسخته العربية على نفقته. أما الآن فليس هناك توجّه لإصدار تقرير لأن العالم العربي بطبيعة الحال «يخلو من الفقر» بحسب القائمين على المشروع، مشيراً سموه إلى حجم النفاق الذي يمارَس في هذا المجال.. فإذا تحدثنا عن الفقر لم نَنْجُ، وإذا تحدثنا عن الإنفاق العسكري لم نَنْجُ، وليس أمامنا سوى مراجعة الذات، والتدرج بحسب ما يمكن القيام به. فـ «جنيف 2 و3 و4» لن تؤدي في يوم من الأيام إلى مؤتمر إقليمي للأمن والتعاون.. فكل أقاليم العالم عندها معايير للأمن والتعاون إلا منطقتنا اليتيمة والمستباحة».
وحول إن كان «الربيع العربي» خيراً أم شراً، أوضح سمو الأمير أنه لا يملك جواباً قطعياً على ذلك، مضيفاً: «إننا متعثرون في مرحلة انتقال».. إنها خير إن أدت إلى تقرير المصير المؤسسي والإداري والسياسي، وشر إن بقيت في دوائر متضائلة من العبث والانتقام».

النقاشات
من جانبها قالت الوزيرة السابقة سهير العلي إن جميع التحديات ستصبح أكثر حدية إذا نظرنا إلى الانفجار السكاني، أو ما دعاه سمو الأمير «القنبلة السكانية في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا»، وأضافت أن الأردن قد يصل إلى ذروة الفرصة السكانية أو «الهبة الديمغرافية» بحلول عام 2030، متسائلة عن نظرة سمو الأمير لكيفية التعامل مع فرصة كهذه في ظل التكامل الاقتصادي العربي الذي تحدث عنه.
ودعا العميد المتقاعد د.علي الحباشنة سموَّ الأمير إلى المبادرة للمساعدة في وأد الفتنة الطائفية بين السنّة والشيعة، لافتاً إلى الاحترام الكبير الذي يحظى به سموه في الأوساط المختلفة إقليمياً ودولياً.
وتساءل المحامي محمد سالم ملحم عن إمكانية إيجاد «مستقيم سنّي» للرد على مشروع «الهلال الشيعي»، كما تساءل عن الدور الشرق أوسطي، هل أصبح بالياً قديماً؟
وتساءلت الزميلة في «جوردان تايمز» رنا الحسيني: ما الذي يمنع صنّاع القرار من التركيز على التعليم في الأردن ، فالنظام التعليمي في مدارسنا ليس من أفضل الانظمة في العالم العربي.
وتوقف د.مهند مبيضين عند المؤتمر الوطني الذي عُقد مطلع الخميسنات وتقرَّر فيه مصير علاقة أردنية فلسطينية «نحترمها جميعاً» تجلّت في وحدة الضفتين. وتساءل عن شرعية قرارات إقامة غير الأردنيين ومنحهم المواطنة بعد تعطُّل الحياة الديمقراطية وغياب المجالس البرلمانية سنة 1958. كما تساءل عن التزام الدولة بمفهوم الشعب أو المواطنة.
فيما تساءلت الزميلة نوف الور، من وكالة «عمون» الإخبارية، عن قراءة سمو الأمير للهويتين الوطنية الأردنية والعربية، في ظل غياب جيل الشباب بعامة عن التاريخ والحضارة وعن المفاهيم الوطنية والتاريخ الأردني والعروبي؟
أما الزميل في «الرأي» خالد القضاة، فتساءل عن تقييم سمو الأمير لدور الإعلام في التنمية البشرية.
بدوره قال الوزير السابق سلامة حماد، إننا في الاردن نعاني من مشاكل أهمها توفير المياه والطاقة، متسائلاً عن كيفية معالجة هذه المشاكل، وكيفية المحافظة على اللُّحمة الأردنية الواحدة مترابطة؟
وتساءل الأستاذ الجامعي يعقوب الكسواني عن إمكانية إحياء حوار «جنوب جنوب»، ومدى الاستفادة من هذا الحوار لتحقيق التنمية المستدامة في العالم العربي؟ كما تساءل عن كيفية التوفيق بين رفع جودة التعليم العالي ومكانة اللغة العربية في هذا التعليم؟
أما النائب د.بسام البطوش فقال إن الأردن يفتح قلبه وصدره وروحه لكل العرب دائماً لكنه لا يجد يداً تمتد لمساعدته في الأوقات الصعبة، مؤكداً على أهمية المحافظة على الهوية الأردنية في ظل وجود الهوية العربية الجامعة.
وتساءل مصطفى دعسان عن مصير الطبقة الوسطى في المجتمع، وهل تلاشت لصالح الطبقتين الغنية والفقيرة، فيما تحدث الإعلامي محمد خطايبة عن تجربة  لجان الدفاع الاجتماعي التي تشكلت أواسط الثمانينات بمبادرة من سموه. وتساءل عن كيفية إدارة الوقفيات الإسلامية، في سياق مشروع الصندوق الإسلامي للزكاة الذي تحدث عنه سمو الأمير. كما تساءل عن إمكانية مراجعة معاهدة السلام في هذه المرحلة.
بدوره، تساءل الكاتب وجيه العتوم عن نزاهة الانتخابات، سواء أكانت نقابية أم بلدية أم برلمانية، هل تعتمد على نزاهة الحكومات أم على نزاهة الناخبين؟ كما تساءل عن المصلحة الوطنية، هل تتطلب السكوت عن قول الحقيقة؟

رد سمو الأمير الحسن وتعقيبه
حول نزاهة الانتخابات، قال سمو الأمير الحسن إن منتدي الفكر العربي بدأ منذ بداية «الربيع العربي» حالةً دراسية للمنظومة الدستورية، ورؤية ناظمة ومنظومة دستورية متكاملة في إطار الإقليم، وتم دراسة دساتير كثيرة من الوطن العربي في هذا السياق.
وتابع بقوله إن المنظومة المتكاملة هي الأساس، وهي تشمل الدستور والقوانين المنبثقة عنه التي تعدّ تطوراً عقلانياً منطقياً متزناً. فالقانون ينبغي أن يصدر بعد صدور الأسباب الموجبة له، وإلا سنكون قد «ضيّعنا المبتدأ والخبر».
ولفت سموه إلى أن الحديث عن موضوع الانتخابات، يستدعي مراجعة الإطار القانوني لتكون المشاركة كليةً قدر الإمكان، فهناك فئات من المجتمع غيّبت نفسها بنفسها لأسباب وأسباب، وأردن «الرباط والوقوف أمام التحديات» لن يكون بتحييد فئات معينة من المواطنة.
وبشأن موضوع صندوق الزكاة الإسلامي، كشف سمو الأمير أنه ليس هنالك إرادة عربية جامعة لمعالجة هذا الأمر، بينما نجحت دولة مثل ماليزيا في اللحاق بنا وسبقتنا في هذا المضمار. وتابع: السؤال الأساسي هنا: هل فقدَ العالم الإسلامي قدرته على إقامة مشروع مؤسسي إسلامي يحررنا من ظلم الطبقية والتفرقة؟ مقرّاً أنه لا يستطيع الإجابة عن هذا السؤال.
ورأى سمو الأمير في موضوع الطبقة الوسطى، أن هذه الطبقة لم تغب، بل أصبحت في مرتبة الطبقة «المستورة».
وأكد سموه أن المشاكل المحلية لا يجوز حلها داخل الحرم الجامعي، وأن العنف الذي يسمّى «العنف الجامعي» هو عنف جهوي داخل الحرم الجامعي، مؤكداً في سياق متصل أهمية إنشاء أكاديمية لمناطق البادية ضمن الشبكة الدولية المعنية بدراسات المناطق الجافة، فقد آن الأوان لتأهيل الكفاءات في البادية وتطويرها وتمكينها، وأن نحفظ ما تبقى لنا من «بيئة»، فإن تُركت المنطقة الشرقية المصانة بالصوان و»برحمة الله الذي يحفظ التربة»، نهباً للمقالع والمشاريع، فإننا «لن نلوم إلا أنفسنا».
وحول التقارب السنّي الشيعي، قال سموه إن الحديث ينبغي أن يجري عن «إسلام واحد» أو عن هلالات داخل البدر الإسلامي المتكامل، ذاهباً سموه إلى أن المؤامرة ليست من الخارج، إذ «لا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم»، فكيف نُغيّر ما بأنفسنا بحسب سموه، إذا كانت يومياتنا العاطفية ستتغلب على عقلانيتنا؟
وتابع سموه في هذا السياق قائلاً: «هذا الموضوع يعالجه فقط العقل العربي المسلم وغير المسلم بأسلوب هادئ وبتناول الموضوعات بما تستحق»، داعياً إلى أن نستوعب بعضنا بعضاً، بوصف هذا جزءاً أساسياً من تعدد الثقافات، ولفت سموه إلى أن الإيمان بالتعددية مهم، لكن الجهويات المحلية الضيقة تنأى بنا عن نهج التعددية.
وحول الانفجار السكاني، قال سموه إن عدد سكان هذا الكوكب سنة 2030 سيصل إلى 9 مليارات، ولا توجد دولة بمفردها تستطيع أن تعالج جميع التحديات التنموية في هذا الإقليم. وتابع: «أيننا من المجاميع التي تسمّى بلغة العالم: (المشترَكات الكونية)، أيننا من المشترَكات الخلاقة؟»، مشيراً إلى «الحس العروبي» في المجلس الاقتصادي والاجتماعي لغرب آسيا الذين تناولوا الحوكمة الرشيدة في العالم العربي في غياب الجامعة العربية.
وفي سياق آخر يتعلق بالثروات الطبيعية، دعا سمو الأمير إلى أن يوقّع الأردن اتفاقية مع «منظمة الشفافية الدولية» للصناعات الاستخراجية.
وبشأن تطوير التعليم، دعا سموه إلى أن يجلس جميع المعنيين ويقروا التوجه البنيوي للدولة في هذا المجال، لافتاً إلى أن هناك دراسات من وزراء التعليم والتعليم العالي والمجلس العالي والمجلس العام أُعدّت دونما جدوى منها.
وشدد سموه على أهمية مراكز تعليم المهن المساعدة كمساعِدات طب الأسنان في ناعور، في حين أن الجامعات لم تكتشف هذا «السر» بعد.
وحول فكرة «مجلس المواطنة»، قال سموه إن هذه المبادرة وسواها بدأت بمنبر إنساني ومنبر شبابي وجوائز للشباب وما إلى ذلك، وكلها نجحت بمقدار قبول الدولة بفكرة أن هنالك خدمة أساسية تفعّل الشباب من جهة وتخدم الصالح العام من جهة أخرى.
واختتم سمو الأمير الحسن حديثه بالقول: «مرت علينا تجارب كثيرة، ولكن المهم العودة للقناعة الأساسية، لأن هنالك قلقاً كبيراً حول الحاضر والمستقبل»، مبدياً تفاؤله بقدرات الشباب الأردني وطاقاته، الذين «يستطيعون تحقيق المعجزات في ما لو تم تمكينهم وتفويضهم للقيام بهذه المسؤولية».
أما إذا ظلت النظرة رعويةً وأبوية، بحسب سموه، فإن ذلك يعني أننا سنعاني من فترة صعبة من تاريخنا، متسائلاً سموه: «هل نرغب أن يكون استقرارنا نسبياً نظراً لما يدور حولنا، أم أن تكون هذه المرحلة مرحلة استقرار مبنية على معرفة حقيقية».